في لحظة إعلان بدت أكبر من مجرد تصريح عابر، كشف رئيس مجلس استثمار أموال الضمان الاجتماعي عن دخول الصندوق كمستثمر رئيسي في مشروع مدينة عمرة عبر شراء 56 ألف دونم من أراضيها — خطوة ضخمة لا يمكن أن تمر دون قراءة متأنية ولا دون أسئلة مشروعة حول الجدوى والشفافية ودروس الماضي. فالأردنيون، بطبيعتهم، لا يخشون المشاريع الكبرى بقدر ما يخشون غياب التفاصيل… وما لم يُعلن يصبح دائمًا مصدر قلق.
استثمار ضخم… وتنسيق واضح بين الحكومة والصندوق
تؤكد المعطيات أن قرار دخول صندوق الاستثمار بنسبة 12% من المساحة المقرّرة للمشروع جاء نتيجة تنسيق حكومي – استثماري مبكر، وأن الصندوق مضى في عملية الشراء اعتمادًا على دراسات يُفترض أنها شاملة وتُقدّر جدوى المشروع الاقتصادية.
المشروع بحد ذاته قد يشكّل تحولًا استراتيجيًا إذا التزمت الحكومات المتعاقبة بدعمه وتوفير كل التسهيلات اللازمة لنجاحه.
غياب التفاصيل يفتح باب الأسئلة
ورغم أهمية الإعلان، بقيت الصورة ضبابية بالنسبة للرأي العام:
ما طبيعة دخول الضمان في المشروع؟
ما ملامح المدينة الجديدة؟
ما حجم الاستثمار الفعلي؟
ما العوائد المتوقعة؟
مدينة "عمرة" ليست مجرد منشأة عقارية جديدة، ولا يمكن مقارنتها بفندق "عمرة” (كراون بلازا عمان اليوم). الحديث هنا عن مدينة ستُبنى برؤوس أموال بمليارات الدنانير، ما يجعل تفاصيل مشاركة الضمان ضرورة لا ترفًا.
الدرس القديم: أرض الطنيب… هل نستفيد؟
تجربة الضمان في أرض الطنيب سنة 2008 لا تزال حاضرة في ذاكرة الأردنيين:
شراء 1080 دونمًا بقيمة تقارب 88 مليون دينار، ما زالت قيمتها حتى اليوم أقل مما كانت عليه قبل 17 عامًا.
هذا التاريخ يفرض سؤالًا مشروعًا:
هل درس الصندوق جميع السيناريوهات قبل دخول مشروع عمرة؟
172 مليون دينار… ومطلوب شفافية أكثر
بلغت قيمة استثمار الضمان في المشروع الحالي 172 مليون دينار مقابل شراء الأراضي من الحكومة بسعر تفضيلي. وهذه الخطوة بقدر ما تمثل فرصة، فإنها تفرض واجبًا واضحًا:
– الإفصاح الكامل عن دراسات الجدوى
– شرح مراحل الاستثمار
– توقعات النجاح والمخاطر
– بيان المردود المتوقع على أموال الأردنيين
وكان الأولى أن يُطرح هذا الملف عبر مؤتمر صحفي رسمي يجمع رئيس مجلس الاستثمار ورئيس الصندوق، بدل الكشف السريع على هامش لقاء إعلامي.
إن فتح المعلومات أمام الجمهور يبدّد المخاوف، يعزز الثقة بالصندوق وبالحكومة، ويرسّخ بيئة جاذبة للاستثمار في المدينة الجديدة.
كما أن الوضوح يشكل خطوة مهمة لطمأنة الأردنيين بأن أموال الأجيال القادمة تُدار وفق أفضل أساليب الحوكمة الرشيدة.