يجد نائب شاب، قادم من الشمال، نفسه فجأة في عين عاصفة وهجمة شرسة، تتناقلها الأوساط الشعبية وربما بعض الدوائر الضيقة. لا يتعلق الأمر بموقف سياسي كبير، ولا بتصريح مثير للجدل في قبة البرلمان، ولا حتى بقانون طرحه وأثار حفيظة البعض. الغريب والمستغرب، أن جوهر الهجوم الموجه ضده يبدو أنه يتركز حول نقطة واحدة، هي: أنه لم "يدعم" أخته وأخيه!
نعم، لم يدعم أخته وأخيه. هذا هو الاتهام الذي يوجه لهذا النائب الشاب، وكأنه ارتكب جرماً لا يغتفر أو خالف قاعدة من قواعد اللعبة السياسية أو الاجتماعية المتعارف عليها. ويذهب البعض، ممن يشنون هذا الهجوم أو يؤججونه، إلى التذرع بالمنطق التقليدي والمثل الشعبي الذي يقول: "اللي ما إله خير بأهله، لمين بدو يكون خيره؟". وكأن هذا المثل، بمفهومه الضيق في هذه الحالة، يجب أن يكون بوصلة عمل النائب وواجبه الأول والأخير.
لكن، مهلاً! ألا يثير هذا الأمر علامات استفهام كبرى ومزيجاً من الاستغراب والدهشة؟ هل يعقل أن يكون معيار تقييم أداء نائب برلماني، يمثل دائرة كاملة ويفترض به خدمة الصالح العام، هو مدى "فزعته" لأفراد عائلته المباشرة؟
ثم، ألا ننسى السياق الأوسع والواقع العملي؟ الحديث يدور عن "دعم" يتعلق على الأرجح بفرص عمل أو مواقع معينة. وفي هذا الصدد، أليست الوزارة المعنية أو المؤسسة المختصة هي "سيدة الموقف" وصاحبة القرار النهائي؟ وألا نعلم تماماً، أو على الأقل يفترض بنا أن نعلم، أن التعيينات والمواقع يجب أن تخضع لمعايير الكفاءة والترتيب في الخدمة والمؤهلات المطلوبة؟
فإذا كان هذا النائب الشاب لم يستطع "دعم" أخته أو أخيه، فقد يكون السبب ببساطة أنهم لم يستوفوا الشروط المطلوبة، أو أن هناك من هو أكفأ وأحق بالموقع وفق الأصول والأنظمة. وفي هذه الحالة، ألا يكون التزام النائب بهذه الأصول، وعدم ممارسة ضغط غير مبرر أو تجاوز على حساب الكفاءات الأخرى، هو عين الصواب والواجب الوطني؟
وبالمقابل، حتى لو افترضنا جدلاً أن أخته أو أخيه كانوا يتمتعون بالكفاءة المطلوبة والمؤهلات اللازمة، وأنه سعى لدعمهم في إطار تنافسي شريف، فما هو المانع في ذلك؟ أليس من الطبيعي أن يسعى أي شخص، سواء كان نائباً أو مواطناً عادياً، لـ "الفزعة" لأخته وأخيه وتقديم الدعم لهم إذا كانوا يستحقون؟ هل يصبح الدعم العائلي، في إطار الكفاءة والنزاهة، تهمة تستدعي "هجمة شرسة" بمجرد أن يكون الشخص نائباً؟
في النهاية، يظل التساؤل قائماً وبقوة: هل حقاً هذا هو سبب الهجوم على نائب شاب من الشمال؟ وهل أصبح عدم استخدام النفوذ أو الواسطة لتعيين الأهل، حتى لو على حساب الكفاءة أو الأنظمة، جريمة تستوجب العقاب الشعبي أو السياسي؟
إذا كان هذا هو الحال، فإننا أمام مشهد عجيب يقلب الموازين ويجعل من الواجب الوطني والالتزام بالأنظمة تهمة، ومن المحسوبية والواسطة حقاً مكتسباً أو واجباً عائلياً مقدساً. نقطة وسطر جديد في مفهوم العمل العام والمسؤولية النيابية.